الجمعة ، 19 ابريل 2024
قصص وحكايات

حرّموا سرقة ممتلكات الأسخياء والفقراء والنساء واستحلوا أموال مانعي الزكاة ” .. ماذا تعرف عن “أخلاق اللصوص” في الحضارة الإسلامية؟

 

هناك ملمح آخر مهم يكشف لنا جانبا آخر في حياة اللصوص والعيارين، حيث امتلك بعضهم مستوى عاليا من الثقافة والتكوين الأدبي بل إنهم ادّعوا امتلاكهم قسطا من “الفقه”؛ فقد نقل لنا المحدّث المؤرخ الخطيب البغدادي (ت 463هـ/1072م) -في كتابه ‘تاريخ بغداد‘- صورة عن “الثقافة الشرعية” لأحد هؤلاء اللصوص، كان قدمها في سياق نقاشه مع أحد ضحاياه مستعينا بـآراء فقهية” ينسبها إلى الإمام مالك بن أنس (ت 179هـ/795م).

فقد استوقف لصٌّ أحدَ أصحاب البساتين وأراد أن يسرقه ويأخذ ملابسه، فاستمهله صاحب البستان حتى يصل بيته ثم يرسل له ملابسه، وأقسم له على صدقه في ذلك؛ فردّ عليه اللص قائلا: “إنا روينا عن مالك أنه قال: لا تـَلزم الأيمانُ التي يُحلَف بها للصوص. قلت: فأحلف ألا أحتال في إيماني هذه؛ قال: هذه يمين مركّبة على أيمان اللصوص”!!

وتطور الحديث بينهما حتى منح “اللص الفقيه” صاحبَ البستان خلاصة تاريخية في لبوس حكمة قال فيها: “تصفحتُ أمر اللصوص من عهد رسول الله ﷺ وإلى وقتنا هذا فلم أجد لصا أخذ بـ[دَيْن] نسيئة، وأكره أن أبتدع في الإسلام بدعة يكون عليّ وزْرُها ووزْرُ مَن عمل بها بعدي إلى يوم القيامة، اخلع ثيابك، قال: فخلعتها ودفعتها إليه فأخذها وأنصرف”!!

وكالعادة لم يفوّت الجاحظ (ت 255هـ/869م) فرصة الحديث عن هذه الفئة الخطيرة من المجتمع؛ فقد خالط العيارين واللصوص وسجل طائفة من أخبارهم، ونقل عنهم بعض أفكارهم وطرقهم في السرقة والحيل التي يستخدمونها في ذلك. ويبدو أنه كان “متعاطفا” مع بعض جماعاتهم؛ إذ أورد ياقوت الحموي (ت 626هـ/1229م) “كتاب ‘أخلاق الشطار‘” في قائمة مؤلفات الجاحظ، الأمر الذي جعل أبا منصور البغدادي (ت 429هـ/1039م) يقول –في ‘الفَرْق بين الفِرَق‘- عن الجاحظ إن أفكاره المضمنةَ “كتابَه في حيل اللصوص.. علّم بها الفسقة وجوه السرقة”

متابعات